نص محاضرة العلاقات الايرانية السعودية بين التكيف والتغير: اتفاق 10 آذار 2023

السيدات والسادة الكرام

تحية طيبة وبعد،،،

نرسل اليكم نص محاضرة العلاقات الايرانية السعودية بين التكيف والتغير: اتفاق 10 آذار 2023 والتي القيت في وقت سابق من هذا الاسبوع، ومرفق المحاضرة لكل من الزميل الاستاذ الدكتور  وليد عبدالحي، والدكتور عصام الملكاوي، وكان قد أدار المحاضرة أ.د.خالد شنيكات رئيس الجمعية، وتناول في البداية موضوع العلاقة والتغيرات الكبيرة التي حدثت في المنطقة ومنها بشكل خاص الثورة الايرانية عام 1979، واحتلال العراق عام 2003، وما تبعها من تغيرات ابرزها الربيع العربي، وما أفرز من نتائج على العلاقات الايرانية العربية بشكل عام و السعودية بشكل خاص، وبعد انتهاء المحاضرة جرى نقاش بين المحاضرين والحضور.

نص المحاضرتين أدناه

-المحاضرة لاتعبر بالضرورة عن رأي الجمعية بالموضوع.

وتقبلوا وافر الاحترام والتقدير

رئيس الجمعية الاردنية للعلوم السياسية

أ.د.خالد شنيكات

العلاقات الايرانية السعودية بين التكيف والتغير: اتفاق 10 آذار 2023

أ.د.وليد عبدالحي

سأنطلق في تناول هذا الموضوع من فرضية محددة سأحاول ان ابرهن على صحتها من ناحية ومستقبلها من ناحية ثانية، وهذه الفرضية هي: أن التقارب السعودي الايراني هو "  تقارب بين دولتين مأزومتين  داخليا وخارجيا بهدف التكيف مع أزمتهما "

لكني قبل تناول مأزومية كل منهما ودورها في التقارب اود الاشارة الى أن  رصد الاتجاه العام للعلاقة السعودية  الايرانية يشير الى ما يلي:

  1. الثورة الايرانية كقوة تغييرية:  عام 1979 تمثل نقطة تحول كبرى في تاريخ المنطقة ويكفي التوقف عند التالي:
  • انتصرت الثورة الايرانية في فبراير 1979، تغير المشهد الخليجي كليا
  • بعد شهر واحد من الثورة الايرانية تم التوصل لاتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية.(تغير المشهد في الصراع العربي الصيوني)
  • تولى صدام حسين رئاسة الجمهورية العراقية بعد خمس شهور من قيام الثورة(يوليو) ومهد ذلك لحرب دامت 8 سنوات ساندته فيها كل دول الخليج وشكل ذلك نقطة صراع دامت حتى الآن
  • قام جهيمان العتيبي بعد 9 شهور باحتلال الكعبة والاعلان عن ظهور المهدي ودارت معارك داخل الكعبة(نوفمبر) وشكلت هزة قوية للنظام السعودي
  • بعد عشر شهور (ديسمبر) 1979 تدخل الجيش السوفييتي في افغانستان وتم تنصيب بابراك كرمال رئيسا، وبعدها تنامى التيار الاسلامي المسلح بدعم امريكي وخليجي بشكل رئيسي.

محاولات التهدئة:

 

السنة

العلاقة بين الطرفين

1980

دعوات سعودية لإنهاء الحرب بين العراق وإيران مع تأييد ضمني للعراق تطور فيما بعد إلى شبه علني،يقابله أدبيات سياسية إيرانية تحريضية.

1985

إتهامات إيرانية للسعودية بإغراق الاسواق النفطية للضغط على إيران.

1986

زار وزيرا خارجية البلدين البلد الآخر.

1987

 قيام السعودية بقطع علاقاتها الديبلوماسية مع طهران(مشكلة الحجاج)

1988

مواجهات بين الأمن السعودي والحجاج الإيرانيين ومقتل حوالي 400 منهم.

1989

إجراء محادثات سرية بين البلدين في سويسرا،ومشاركة إيران في المؤتمر الإسلامي في جدة،

1991

اعيدت العلاقات الدبلوماسية بعد 4 سنوات تقريبا.

1992

وفد تجاري إيراني يزور السعودية.

1997

إعادة تشغيل خط الطيران المباشر بين البلدين،ومشاركة السعودية في القمة الإسلامية في طهران.

1997

وزيارة وزراء الدفاع والخارجية والداخلية السعوديين لإيران بشكل منفرد.

1998

زيارة هاشمي رفسنجاني لإيران وتشكيل لجنة أقتصادية مشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين.

1999

زيارة خاتمي للسعودية

2001

توقيع اتفاقيات أمنية بين البلدين.

2002

زيارة ثالثة لخاتمي للسعودية

2006

استضافت السعودية مؤتمرا في مكة حضره علماء سنة وشيعة ودعوا في بيانهم الشيعة والسنة في العراق لعدم إراقة الدم أو التهجير أو تدمير المساجد أو البيوت .

2007

زار الرئيس نجاد السعودية.

2015

التدخل السعودي في اليمن وتعهد محمد بن سلمان بنقل المعركة الى قلب ايران.

2016

قطع العلاقات الدبلوماسية مرة اخرى

2023

الاتفاق على اعادة العلاقات الدبلوماسية وتفعيل الاتفاقيات الامنية والاقتصادية

 

 

الاستنتاجات:

  • ارتباك كامل في العلاقة بين الدولتين قطع العلاقات وعودتها
  • مدة العلاقات  الديبلوماسية المقطوعة  11 سنة(1987-1991) ومن 2016-2023.
  • التباين في مواقف البلدين من كل القضايا في المنطقة: العراق، اليمن، فلسطين، لبنان، سوريا، الموقف من امريكا، التباين المذهبي والحروب الاعلامية، قضايا الحجاج،...الخ
  • زار الرؤساء رفسنجاني وخاتمي وانجاد الرياض ولم يقم اي ملك سعودي بزيارة طهران
  • خلال الفترة من 1995 الى 2020 كان معدل التراجع في التجارة البينية 19.5 سنويا  

اين تكمن الازمة السعودية:

اربعة ركائز تجذرت في بنية النظام السياسي والاجتماعي السعودي منذ نشوء الدولة السعودية، الركيزة الأولى هي المنظومة المعرفية للمجتمع السعودي والتي تمثلت في المذهب “الوهابي” المغالي في محافظته، والركيزة الثانية هي العصبية بالمفهوم الخلدوني ممثلة في “آل سعود”، بينما تمثلت الركيزة الثالثة في “الدخل الريعي” المستند للبترول، والركيزة الرابعة هي الاعتماد على سند دولي قوي لمواجهة موجات التغيير،وهي الولايات المتحدة.ويبدو أن الركائز  الاربع تواجه اعصارا يهز جذورها في العمق على النحو التالي:

  1. فاتجاه “الانفتاح” الذي يتبناه محمد بن سلمان يقوم على “خلخلة” قواعد الركيزة الوهابية بضرب حراسها بدءا من هيئة الأمر بالمعروف مرورا بتغيير التاريخ من الهجري للميلادي ثم اعتقال رموز المنظومة المعرفية الوهابية او تفرعاتها، ناهيك عن تصنيف حليف تاريخي كالإخوان المسلمين في قائمة الحركات الإرهابية مرورا بقوانين قيادة المرأة للسيارات وشق الطريق أمام المرأة السعودية نحو مشاركة أوسع في قطاع العمل، وصولا إلى مشروع “نيوم” الذي سيتجاوز قيود المنظومة المعرفية التاريخية.. ذلك يعني أن المنظومة المعرفية للمجتمع السعودي تتعرض لهزة كبيرة تصيب “معلوماتها” (كما يتضح في إعادة النظر في الأحاديث النبوية واعادة تعريف الإسلام بين معتدل ومتطرف) وفي منهجية التفكير (كما يتضح في لجم فقهاء الوهابية او فروعها عن الاستمرار في تأويلاتهم التقليدية) ثم في منظومة القيم السائدة والتي يعاد النظر في بنيتها كما هو واضح في الموقف من “المرأة” والتي تعد “سنام” تلك المنظومة القيمية.
  2. العائلة :  وهي العصبية بمواصفاتها الخلدونية والتي تتعرض هي الأخرى لريح عاتية، فإثارة موضوع الفساد من ناحية وجعل معظمه في دائرة “الأمراء” كما تشير حملات الاعتقال والمساءلة يعني أن “عذرية” الأسرة وتقاليد الانسجام الداخلي في بنية الأسرة أصبحت موضع نقاش واسع، فالاعتقالات بتهم الفساد لم تعد اشاعات ترددها قوى أو اعلاميون معادون للدولة السعودية بل تأتي الرياح من قلب العصبية ذاتها. ورغم ان هذه العصبية تعرضت سابقا لهزات (الأزمة بين سعود- فيصل، أو مقتل الملك فيصل من قبل أحد أفراد العائلة)، إلا أن تلك الهزات كانت ذات طابع فردي محدود في دائرته، ناهيك عن أنه كان أقرب للمنافسة الفردية لا في إطار وضع العصبية في موضع المساءلة الاخلاقية وبشكل لا فردي بل شبه جماعي، وهو ما جعل العصبية تفقد عذريتها الملثمة بالطهر الوهابي ويزعزع الانسجام الداخلي باعتقال رموز كبيرة من رموز العائلة.
  3. الركيزة الثالثة وهي الريعية أو “الغنيمة” كما سماها أحد الباحثين، وهذه الركيزة تواجه تقلصا في مردودها بفعل عوامل خارجية وعالمية، كما أن مستوى النفقات الحكومية (الدفاعية بخاصة) وارتفاع النزعة الاستهلاكية في المجتمع السعودي وفقدان الاقتصاد السعودي للطبقة المهنية من ذوي الياقات الزرقاء واعتماده بشكل كبير على عمال أجانب تصل قيمة تحويلاتهم قرابة ثمانين مليار دولار.. كلها عوامل تهز الركيزة الثالثة، ناهيك عن سوء توزيع الثروة فمن بين 15 الف امير هناك 400 يشكلون الطبقة العليا، لكن هؤلاء يمتلكون ثورة تقدر بحوالي 1.4 تريليون دولار، وبعض الدراسات تقول ان 1% من السكان يمتلكون 59% من الثروة.
  4. الركيزة الرابعة: وهي السند الدولي : دراسة برادلي هوب وجوستن سكيك(Bradley Hope and Justin Scheck) Blood and Oil –M.B.S Ruthless Quest for Global Power   الصادر 2020 في 368 صفحة: اهم ما ورد:

هذه الصفات جعلت التقييم الامريكي له سلبيا(بخاصة بعد حرب اليمن، وعزل الاقرب للولايات المتحدة في النخبة السعودية بخاصة محمد بن نايف) وموضوع خاشوقجي  والتنسيق مع الروس في موضوع انتاج النفط ..الخ

إذن نحن امام دولة اهتزت اركانها بعنف( تراجع الاستقرار حوالي 26% ، ترتيبها 139 في الاستقرار السياسي من 194)

الازمة الايرانية: تراجعت بين 1996-2021 بحوالي 55.6 % في الاستقرار السياسي (ترتيب ايران 178 من 194)

مصادر الاضطراب الايراني:

1- الجذب الاستراتيجي تاريخيا:

يمكن تقسيم الأقاليم السياسية المحيطة بإيران والتي تحدد نزوعها الجيواستراتيجي إلى اربعة اقاليم هي:

  • إقليم الهلال الخصيب(العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والاردن).

ب-إقليم القوقاز(أذربيجان وأرمينيا وجورجيا ويمكن إضافة أجزاء من الأناضول).

ج-إقليم آسيا الوسطى(من شرق بحر قزوين وحتى الحدود الصينية الشمالية مضافا لها أفغانستان).

د-إقليم الجنوب(جنوب باكستان وجنوب وجنوب شرق الجزيرة العربية).

وعند رصد النزوع الجيواستراتيجي لإيران خلال الفترة من 3200 ق.م إلى الآن أي  تكرار الجذب الجيواستراتيجي:ونقصد به عدد المرات التي اتجهت فيها الكيانات السياسية الإيرانية عبر التاريخ للحركة خارج حدودها باتجاه الأقاليم التي ذكرناها،او أنها تعرضت للغزو من هذه الأقاليم:

  • أن إقليم القوقاز استحوذ على عدد المرات الأكبر في الانجذاب الجيواستراتيجي لإيران خلال حوالي 5200 سنة ،فقد بلغ عدد المرات 15 مرة.
  • احتل الهلال الخصيب المرتبة الثانية في الجذب الجيواستراتيجي ،إذ بلغ عدد المرات 13 مرة.
  • احتلت آسيا الوسطى المرتبة الثالثة ب10 مرات.
  • احتل إقليم الجنوب(جنوب باكستان والشواطئ العربية من الخليج ) المرتبة الأخيرة بمرتين فقط(فترة دولة ايلام 2800 ق.م) والفترة الساسانية(636 م).

ذلك يعني أن الأقاليم الثلاث الاولى هي مراكز الجذب التاريخية وبقوة متقاربة نسبيا لعدد مرات تكرار الجذب الجيواستراتيجي لكل منها.

  1.  الاحساس الشيعي العميق في اللاوعي بالإضطهاد التاريخي مع تغذية من الارث الزرادشتي والمانوي ،يتبين لنا كيف تشكلت بيئة حاضنة لتعظيم مشاعر عدم الاحساس بالامن بخاصة مع تمركز الصورة السلبية للعرب في جزء ليس قليلا في الثقافة الايرانية بخاصة نموذج التباين الحضاري الذي كرسه علي شريعتي في نموذج مجتمع البداوة في مواجهة المجتمع الحضري الفارسي(أغاخان كرماني،وفاتح علي،وأكوند زاده،وزين العابدين المراقيحي  ثم ( لاحظ انتشار العربية مع انتشار الاسلام غربا لكنها شرقا لم تنتشر)واللغة عند ليبنتز هي مرآة العقل.(لاحظ عدد حركات التمرد في فارس زمن الدولة الاسلامية من خراسان وغيرهان وثقافة البطل المغدور -

3- احساس ايراني بان القوى الحضارية التاريخية مسلحة نوويا:

     -البروتستنت: امريكا وبريطانيا

     -الكاثوليك: فرنسا

     - الارثذوكس: روسيا

     - الكنفوش: الصين

     - الهندوس والبوذية :الهند وكوريا الشمالية

      -اليهود اسرائيل

      -السنة: باكستان....

بقي الشيعة بدون قنبلة نووية...وهو هاجس امني.

4-جوارها للناتو( تركيا) ولقواعد امريكية مجاورة في الخليج.

5-الاحساس الايراني في البداية بعدم وجود سند دولي(الشيطانين وموقفهم من حزب تودة في البداية ومن اليسار الاسلامي...الخ.)

الوضع الحالي:

  • منذ اندلاع الثورة الايرانية قبل 44 عاما، عرفت العلاقات الايرانية السعودية تأرجحا متفاوت المسافة بين فترة وأخرى، وتبادل الطرفان اللكمات أحيانا والقبلات احيانا أخرى، وسعى كل طرف الى تكريس ادبيات قامت من الطرف السعودي في بعدها المركزي على تأجيج العداء المذهبي لايران ومن الطرف الايراني على اعتبار السعودية أداة للهيمنة الامريكية ، وحاول كل طرف حشد الشواهد المادية والمعنوية الكاذبة والصادقة لتكريس صورة الآخر في أذهان المتلقين ، خلال ذلك مرت فترات "تسلل دبلوماسي" هادئ من كل طرف نحو الطرف الآخر وتحت عباءات مختلفة عربية احيانا(بخاصة من سلطنة عمان) وغير عربية كان آخرها عباءة ارتداها التنين الصيني الزاحف للمنطقة.
  • لكن الفترة من 2015( اعلان محمد بن سلمان وليا للعهد السعودي) حتى الآن شهدت العلاقة بين البلدين اضطرابا عميقا،رغم عبور هذا الاضطراب بغيوم صيف متفرقة ونادرة، فتهديدات محمد بن سلمان بنقل المعركة الى قلب طهران واشعال الحرب اليمنية وتشديد الضغط على حزب الله واعتقال قيادات مقاومة فلسطينية في الرياض الى دبلوماسية التقارب الخجول مع اسرائيل الى استمرار الآلة الاعلامية السعودية في تعزيز فكرة السياسة المذهبية لايران والتشكيك في النوايا الايرانية من وراء برنامجها النووي، الى جانب اعدام بعض رموز الشيعة في السعودية ورد فعل ايراني باعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية في طهران..الخ..كل ذلك قابلته ايران بتوظيف ضربات أنصار الله اليمنيين لبعض المرافق السعودية واتهامات بخطف دبلوماسيين إيرانيين والتضييق السعودي على الحجاج واتهامات بمساندة "جند الله" في نشاطاتهم ضد ايران على حدود ايران مع باكستان واعتبار المخابرات السعودية امتدادا للسي آي ايه ثم توظيف العلاقة القطرية الايرانية لاجهاض السعي السعودي لشل الدور القطري في دبلوماسية الانابة من ناحية وفي خنق علاقاتها مع الاخوان المسلمين الذي يمثلون الحركة الاكثر حضورا في المجتمع السياسي المدني السعودي من ناحية اخرى, وغير ذلك كثير..
  • والآن طلعت علينا وسائل الاعلام بخبر عن تطور واضح في العلاقات السعودية الايرانية " بوعد " باستئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016 بين البلدين وبوساطة صينية..فكيف نفهم ذلك؟
  • بدأت بوادر الزحف الهادئ لإعادة العلاقات منذ الاعلانات العراقية المتكررة منذ شهورعن اجتماعات –على مستويات مختلفة- بين الطرفين في بغداد ، وساندها بين الحين والآخر محاولات عمانية..وهو ما يعني أن الامر الحالي ليس مفاجأة بأي شكل من الاشكال بل هو مسار وصل غايته المنشودة والمتواضعة حتى الآن بفعل قوة دولية كبرى هي الصين.
  • هل السعودية تريد لجم انتقادات التطبيع الذي تسير فيه مع اسرائيلي من خلال التغطية بعلاقة مع سوريا وايران ، ام هل موضوع وصول الايرانيين الى التخصيب بنسبة 84% اثار القلق والخوف السعودي أنها ستصبح بين دولتين نوويتين؟
  •  من الزاوية الايرانية ، تدرك طهران ان اعباء القوى الاقليمية بل والدولية المساندة لها كثيرة وخشنة ،وان ثقل الحصار الغربي عليها أكثرها عبئا، وان نسبة الاستقرار السياسي الداخلي فيها تعرضت لهزات مقلقة بخاصة في الفترات الاخيرة، وان التطويق الاسرائيلي لها من خلال التجذر الصهيوني في اذربيجان وفي دول خليجية عربية بعد اتفاقات ابراهام يستوجب فتح ثقوب في جدران التطويق هذا، ناهيك عن ان الحفاظ على وحدة الاوبك أمر ضروري بخاصة في الظروف الحالية لا سيما ان السعودية وايران طرفان وازنان في هذه المنظمة.
  • وبالمقابل فان السعودية تشعر ان حربها في اليمن فشلت فشلا ذريعا، فرغم توقع بن سلمان عند نشوب الحرب أنها لن تستغرق الا اسبوعين او ثلاثة فهي الان على اعتاب عامها الثامن دون اي بوادر لتحقيق اي هدف بل وتفكك تحالف الدول التسع التي انضمت للسعودية، من جانب آخر يبدو ان القنوط السعودي من امكانية خنق حزب الله في لبنان وصل ذروته، ناهيك عن ان ضرب الحركة الدينية الوهابية وتحدي منظومة القيم الشعبية السعودية بانفتاح فيه سمات الغرائزية المتسرعة،وضرب مراكز القوى في العائلة الحاكمة ، بدأ كل ذلك يترك هواجس تستقر تدريجيا في روع صانع قرار تنقصه الخبرة الميدانية والعلمية ، فاذا اضفنا لذلك توتر امريكي سعودي يمكن رصد ملامحه في الاعلام الغربي وبخاصة الامريكي،ودلالات التقارب السعودي الروسي بخاصة في السياسات الطاقوية بعد ازمة اوكرانيا وبكيفية لم ترق للولايات المتحدة، ثم الاقتراب السعودي الهادئ من سوريا ، كل ذلك جعل صانع القرار السعودي يدرك ان "الاستدارة شرقا" تحتاج ليقظة وحذر شديد لان اليد الامريكية تمتد في مفاصل الدولة السعودية حتى لما وراء الستائر وقادرة على ان تفعل الكثير.
  • إذن نحن امام دولتين متجاورتين جغرافيا ، وكل منهما يعيش مآزق داخلية وخارجية، أحدهما –وهي ايران- لديها استقرار في منظورها الاستراتيجي للعلاقات الدولية (بغض النظر عن اي راي في هذا المنظور)،ودولة هي اقل استقرارا منذ عام 2015 في منظورها الاستراتيجي، وهي ما يعني ان التقارب الحالي هو من باب "مكره اخاك لا بطل".
  • السؤال الاهم هو: وما المستقبل؟، وهنا لا بد من التأمل في بعض المؤشرات:

-1- اعطاء مهلة شهرين للاستئناف الفعلي للعلاقة الدبلوماسية ، وهو ما يعني ان هناك بعض اثاث المسرح بحاجة لاعادة ترتيب لكي يؤدي ابطال الرواية ادوارهم بشكل يستحق التصفيق، لكن ذلك لا ينفي احتمال حدوث امر ما قد يضع احتمالا للتسويف في انجاز الوعد بل وقد يلغى الوعد او يتوارى تدريجيا.

-2 ان استئناف العلاقات –إذا تم بعد شهرين- قد يجلب معه ردات فعل غربية وبخاصة امريكية ، وقد تكون الدوائر الصهيونية في الرحم الامريكي هي الاكثر استعدادا للبحث في سيناريوهات التعطيل حتى لو وصل الامر الى حد تغيير المشهد السعودي كله لا سيما انه الطرف الاقل تماسكا والأكثر قابلية للتسلل الامريكي في اوصاله الخشنة والناعمة على حد سواء.

-3 ان حجم التبادل التجاري بين الصين والسعودية يفوق مجموع حجم التبادل التجاري السعودي مع كل من الولايات المتحدة + الاتحاد الاوروبي(87 مليار دولار مقابل 78 مليار)، وحجم التبادل التجاري الصيني الايراني حوالي 15 مليار دولار، لكن الملاحظ ان حجم التبادل التدجاري الصيني مع البلدين يتزايد بشكل واضح، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة للتضييق على الصين وايران تجاريا، ولعل النجاح الصيني في التقريب بين الرياض وطهران يزيد الموقف الامريكي ضيقا من طرفي العلاقة وبخاصة السعودية، لكنه من زاوية اخرى ييسر عبور خطة الطريق والحزام الصينية لقلب المنطقة مما يزيد النزق الامريكي من التغلغل الصيني.وهكذا يتسع الفضاء التجاري الصيني من ناحية بخاصة ان هذا التطور سبقه اتفاق تعاون استراتيجي ايراني صيني هام ٢٠٢١.

-4 من الضروري أخذ بعض الجوانب الاخرى بخاصة من الزاوية السعودية في الأعتبار:

أ‌- يبدو ان الاحساس بتراجع المكانة الاستراتيجية للشرق الاوسط في المنظور الأمريكي شجع السعودية على موقفها بخاصة مع التمدد الامريكي الزائد الذي حذر منه بول كينيدي

ب‌- ان انغماس الولايات المتحدة في الازمة الاوكرانية واحتمالات الانغماس في الازمة التايوانية وفي توترات الكوريتين ناهيك عن التوترات الصامتة مع اوروبا في بعض الجوانب الاقتصادية والعسكرية والسياسية تزيد من الغواية لصانع القرار السعودي للاستدارة شرقا بخاصة إذا سيطر الملك الجديد على الوضع الداخلي بعد وفاة الملك الحالي.

-5 لقد اعلنت السعودية منذ حوالي سبعة شهور عن فتح مجالها الجوي امام الطيران الاسرائيلي" المدني"، ولعل التقارب مع ايران سيجعل احتمال عبور طائرات اسرائيلية حربية للاجواء السعودية لضرب ايران اكثر تعقيدا، وهو ما قد يدفع الى زيادة المكانة الآذرية في الاستراتيجية الاسرائيلية من ناحية ويقلل من البهجة الاسرائيلية من الانفتاح الخليجي الرسمي عليها

-6 قد يفي الطرفان بوعد اعادة العلاقات الدبلوماسية لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن كل ما "فات مات"، فمنذ آب في العام الماضي اعادت دول خليجية علاقاتها الدبلوماسية مع ايران(الكويت والامارات العربية) بعد قطيعة زادت عن ست سنوات،لكن ذلك لم يحمل معه تغيرات ذات دلالة استراتيجية، فالامارات تعزز علاقاتها مع اسرائيل بوتيرة تفوق في تسارعها العلاقة مع ايران، كما ان اغلب الدول العربية لها علاقات دبلوماسية مع ايران دون ان يحمل ذلك معه تحولات استراتيجية.

المستقبل:

المنظور الايراني:

  1. الانضمام السعودي الى البريكس او منظمة شنغهاي يؤكد التحول الاستراتيجي ويطمئن ايران
  2. استمرار التوغل الصيني في المنطقة قد يدفع باتجاه تعاون استراتيجي صيني سعودي على غرار الصيني الايراني وستكون مبادرةالحزام والطريق احدى قواعد الترابط
  3. استمرار الوضع في ايران في ظل تطورين:
  • القدرة على التوفيق بين الجرعة الدينية الكبيرة في النظام السياسي مقابل جرعة اقل بشكل واضح في المجتمع وهو ما يفتح المجال لبعض الاضطراب لاحقا
  • القدرة على ترتيب الوضع الداخلي في حالة غياب خامنئي(87 سنة)
  1. السعودية:
  • التقارب مع ايران خطوة لن ترضى عنها اسرائيل ولا الولايات المتحدة،  وتنطوي على مخاطر استراتيجية عالية داخليا، وحيث ان التغلغل الامريكي في الاجهزة الخشنة والناعمة في اوصال النظام السياسي السعودي فان الامر يحتمل تطورين:
  • ان تتمكن القوى المحلية المرتبطة بقوة بدواليب السياسة الامريكية من لجم التطور في العلاقة مع ايران سواء بعوائق بيروقراطية او خلق مشكلات توحي بامكانية تحميل ايران مسؤولية التعثر مثل عدم تغيير السعودية لمواقفها من حلفاء ايران في المنطقة بخاصة انصار الله وحزب الله والجهاد الاسلامي، على امل ان يخلق ذلك شقاقا اما بين ايران وحلفائها او بين السعودية وايران.
  • ان تعمل الولايات المتحدة على التغيير في السعودية( ما جرى لفيصل في 25 مارس 1975) بعد قطع النفط خلال حرب اكتوبر...ولعل الدرس الباكستاني  الحالي مع عمران خان له من الدلالة ما يستحق التأمل من هذه الزاوية تحديدا(.

وانا اجد ان صورة صانع القرار في السعودية  في المؤسسة الامريكية الحاكمة يزيد من احتمالية ترجيح هذا الغيار.

 

نص المحاضرة الدكتور عصام الملكاوي

العلاقات الإيرانية – السعودية بين التكييف والتغيير

د.عصام الملكاوي

     منذ الثورة الإيرانية سنة 1979م، سادت العلاقات الإيرانية العربية بشكل عام، والعلاقات الإيرانية الخليجية بشكل خاص حالات من التوتر والإضطراب، وصلت إلى حد الإشتباك والصراع باستخدام الميليشيات والقوات التي تعمل بالوكالة لصالح إيران. وكان مدعاة هذه الحالة هو المبدأ الذي أرسى قواعده زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني عندما أعلن عن " مبدأ تصدير الثورة "، وانطلاقاً من هذا المبدأ، ساعدت إيران في تدمير العراق، وزعزعة الدولة اللبنانية بتواجد حزب الله، ومن ثم السيطرة على جغرافيا سوريا وانتشار الميليشيات الإيرانية فيها. وصولاً إلى الحرب الأهلية في اليمن، ودخول السعوديون طرفاً رئيسياً بها ضد الحوثيين المدعومين من إيران.

     ومنذ 2015م، شهدت العلاقات الإيرانية – السعودية حالة فريدة من الإشتباك والتوتر، انتهت بسحب السفراء وإغلاق السفارات على أثر إقتحام الإيرانيين لسفارة المملكة العربية السعودية أمام أعين السلطات الإيرانية والتي لم تحرك ساكناً لمنع ذلك. ونضامناً مع السعودية قامت دول عربية عديدة بإغلاق سفاراتها في إيران وسحب سفرائها، حيث اعتبرت الدول العربية أن هذا العمل من الجمهور الإيراني وسكوت السلطات الإيرانية ما هو إلا جزء لا يتجزأ من التهديدات الإيرانية للدول العربية ، وتوظيف علني للميليشيات المؤيدة لها وتصريحات مسؤوليها علناً بأنهم يتحكمون بأربعة عواصم عربية.

     بعد هذا الجرد البسيط لحالة الإشتباك السعودي – الإيراني، والتي لم يخرج منها أي طرف منتصراً، لأن معادلة الإشتباك هذه تظهر بأن الطرفين خاسرين، والخسارة هنا ليست بمعنى الهزيمة العسكرية،  بقدر ما هي خسارة إقتصادية ومادية ومعنوية وفقدان ثقة تحتاج وقت طويل لترميمها.

لذلك جاء التحرك السعودي ليلقي حجراً في المياه الراكدة في العلاقات البينية بين البلدين ليحرك موجات العمل السياسي والإقتصادي والاستراتيجي، واعتبر ذلك تحرك لتصفير المشاكل وإزاحة لمعيقات عمل لأولويات ملحة فرضت نفسها على أجندة العمل السياسي بين الدولتين، وإعادة رسم خطة عمل استراتيجية تتوائم مع التغيرات المتسارعة في الخرائط الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك كان لابد من أن يسعى الطرفان للتغيير، والله تعالى يقول في كتابه الكريم " إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ " الرعد11، فالتغيير منوط بالنفس البشرية وأن على الناس أن يبدأوا في عملية التغيير.

     فالتغيير هو من سنن الكون فثبات الأمور على ماهي عليه والتشبث بها يعني الجمود وعدم التطور،

لأن له تأير هام في حياتنا فهو يُعد الثابت الوحيد الذي يحيط بنا من كل جانب، بحيث لا يمكننا تجنبه لأن من يركزون على حاضرهم ويستدعون ماضيهم  في كل معضلة تواجههم حتماً سيضيعون مستقبلهم. من هنا حاءت علاقة التكيُف مع التغيير، وذلك لأن التغيير لا يدخل لحياتنا إلا نتيجة لأزمة ما، سواء كانت من صنع أيدينا أو أزمة طارئة ضربت بأحداثها مضامين معيشية تراتيبية اعتدنا عليها، ظناً منا أنها هي الأنسب لاستمرار حياتنا.

      وحسب ما ورد في علم إدارة الأزمات، لاتكون الخطوة الأولى للحل إلا بالإعتراف بهذه الأزمة والإعتراف بأسبابها ومسبباتها، وعندها يكون حلها سريعاً إذا أُحسن التصرف بالتعامل معها والإعتراف بالخطأ الذي أدى لحدوثها، سواء من طرفنا أو من من الطرف الآخر. وهذا يحتاج إلى معادلة سياسية ودبلوماسية تقود جميع الأطراف للجلوس إلى طاولة المفاوضات، للخروج بمعادلة رابح - رابح، من خلال استخدام استراتيجية التقارب.

     وهذا لا يكون إلا من خلال التحكم بطريقة استجابتنا للتغيير الذي يواجهنا، والذي يتطلب أن يكون كل طرف مستعداً وبشكل كامل للتغيير، وحتى يمكن للدول أن تتأقلم مع التغيير فلا بد لها من أن تتكيف معه من خلال الاستراتيجيات التالية:

  • تغيير طريقة التفكير، يقول برنارد شو " لا تقدم دون تغيير، ومن ليس باستطاعته تغيير طريقة تفكيره لن يقدر على تغيير أي شيء". والناس بمجملهم مجبولين على البقاء ضمن نطاق "المألوف والمعتاد".
  • التخلي عن الشعور بالفوقية، بمعنى أن تتخلى عن الماضي وتعترف بالأخطاء وتنظر للمستقبل.
  • أن تطلق لنفسك العنان في البحث عن فرص جديدة، لتغيير النمط السلوكي كبادرة حسن نية.

     من خلال ما تقدم يبدو لنا أن طرفي العلاقة الإيرانية السعودية، قد وصلا إلى قناعة بضرورة التغيير والتكيُف معه، إن لم يكن حباً فيه، فليكن حباً بالمصلحة المتأتية منه، طالما أن البقاء في أتون الماضي لايمكن أن يقدم الفائدة المرجوة، إن لم يكن مزيداً من إهدار القوة واستنزاف الموارد والمقدرات، إضافة لفتح الثغرات لكل من تسول له نفسه إشعال نيران الفتنة. لذلك قامت الدولتان بالإتفاق هذا يحدوهما الأمل بتحقيق مصالح أمنية وقومية تصب في مصلحة الدولتين.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية كانت الدوافع نتيجة أمور أهمها:

  • الواقعية العقلانية، تحكيم العقل في السلوك الواقعي للأحداث على الأرض.
  • القناعة السياسية، وتمثل قناعة السعودية بأن الولايات المتحدة لن تقوم مهاجمة إيران عسكرياً وقد توقع معها إتفاق يؤدي إلى تعزيز نفوذ إيران في المطقة.
  • إن مسار التطبيع مع العدو الصهيوني عالي التكلفة ومحدود الفائدة.
  • إنهاء الأزمة اليمنية بطريقة تراعي مصالح جميع الأطراف مع الوصول إلى تفاهمات أكبر حول قضايا المنطقة، لا سيما في العراق وسوريا ولبنان.
  • العمل على توسيع العلاقات السياسية والاقتصادية إقليمياً ودولياً على قاعدة الفصل بين الملفات. مع ابقاء الباب موارب لتطبيق العلاقات مع الكيان الصهيوني، على نحو يعكس سياسة خارجية جديدة متوازنة، بعكس السياسة الصفرية السابقة التي تصنف الدول لفريقين إما مع أو ضد.
  • سعي السعودية لرفع مستوى دورها ومكانتها في المنطقة بعد تراجعها فترة زمنية لصالح دول إقليمية أخرى.
  • تسعى السعودية لتنأى بنفسها عن أي احتمال لقيام اسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية للمواقع النووي الإيرانية، وتحييد رد أي فعل إيراني تجاهها.

أما الدوافع الإيرانية لتوقيع الإتفاق مع السعودية فيندرج تحت الأمور التالية:

  • الإنفتاح على أى محاولة سعودية باتجاه التفاهم معها، نتيجة تدهور علاقات إيران مع الغرب.
  • زيادة الضغوط الدولية عليها بسبب ملفها النووي.
  • السعي لإيقاف الإحتجاجات الشعبية داخل إيران.
  • تداعيات الموقف الإيراني من الحرب  في أوكرانيا، وموقفها المساند لروسيا.
  • الخسائر الإقتصادية التي منيت بها إيران والتي قدرت ب 150 مليار دولار، إضافة إلى خسائر مالية لمدخولات الحرس الثوري الذي صنفه ترامب منظمة إرهابية.

وأخيراً لابد من القول أنه بالرغم من سيل التحليلات التي صاحبة الإعلان عن هذا الإتفاق، نجد أنه طرح تساؤلات أكثر مما طرح إجابات، سواء كان ذلك عن حقيقة الدوافع لكلا الدولتين؟ وهل كان للولايات المتحدة يد خفية فيه؟ وهل سيصمد هذا الإتفاق وتلتزم الأطراف بتطبيقه على الأرض؟ إضافة إلى إنعكاساته على اتفاقات ابرهام والتطبيع مع العدو الإسرائيلي؟ هل يمكن أن نرى نهاية للحرب في اليمن؟ هل يزيد من فرص توقيع اتفاق نووي مع إيران أم يقلصها؟ هل يعكس هذا الإتفاق تراجعاً للهيمنة الأمريكية في المنطقة ويعزز دور ونفوذ الصين فيها؟

هذه أسئلة برسم الإجابة عندما تنجلي الأمور وتبدأ آليات العمل بالتطبيق على أرض الواقع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

2023 © جميع الحقوق محفوظة - الجمعية الاردنية للعلوم السياسية